الطريق الطويل: ليس للحروب طعم آخر
"...فيما بعد عرفنا أن الرجل حاول الهرب بعائلته كلها، وأن المتمردين أطلقوا النار على سيارته فقتلوا عائلته كلها. والشيء الوحيد الذي عزّاه لثوان قليلة على الأقل، كان تلك المرأة التي احتضنته مواسية، لكنها الآن كانت تبكي معه، وقالت له إنه على الأقل لديه الفرصة لأن يدفنهم..."
كان ذلك مقطع من رواية "الطريق الطويل: مذكرات صبي مجند".
رواية كتبها شاب من سيراليون يدعى إشمائيل بيه. يحكي فيها فصلا من حياته، فهو الآن في السابعة والعشرين من عمره يرصد ما حدث له تفصيليا عندما كان صبيا في الثالثة عشر يحب موسيقى الراب ويكون فرقة مع أصدقائه ولكنه، لظروف الحرب الدائرة بين مجموعة من المتمردين وبين الحكومة في سيراليون، يفقد عائلته ويهرب من قريته التي هوجمت كبقية أهالي القرية، ومن قرية لقرية... يأخذنا في رحلته المذهلة وتفاصيلها المؤلمة إلى حد البكاء حيث الموت هو القصة اليومية والدماء هو المشهد المعتاد. حتى حدث أن انضم لمجموعة من المجندين وهو بعد صبيا.. فيحكي كيف اغتيلت براءة كل الصبيان المجندين فكانوا يقتلون ويذبحون وينهبون القرى تحت تأثير المخدرات، وكيف انقذته اليونيسف وعدد من الأطفال من الحرب وهو في السادسة عشرة.
الرواية جميلة.. رغم كل الألم، ربما كان أجمل ما فيها هو هذا التجسيم القوي للموت وبشاعة الحروب وقدرة الإنسان على التجرد من إنسانيته حينا، والتوحد معها حينا آخر.. وهو ما يجعلك ترى الحياة كما لم تراها من قبل.