قد يستغرب الكثير من القراء للتدوين الإلكتروني من قصر المدونة وتناولها الخاطف للموضوع، ولكن هذا الإستغراب يتضاءل حين نعرف أن مفهوم التدوين الإلكتروني يقوم على قيمة نقدية مفادها أنه نقيض الطول، ونقيض الإستفاضة والإستطراد، انطلاقا من قيمة نقدية رصينة، هي أن الكاتب - من أي نوع - لا ينبغي له أن يقول كل شيء أو يقدم كل شيء فثمة حيّز - لا بد منه - لمساهمة القارئ أو المتلقي في الأثر الموضوعي عن طريق التعليق - كما هو الشأن في مواقع المدونات على سبيل المثال.
إن المدونة أو التدوينة الصغيرة التي تدور حول ظاهرة طبيعية أو اجتماعية أو انسانية أو اقتصادية أو فكرية أو تقنية..، مهمتها - حسب هذا المنطق - هي استثارة المعاني كلها.. ومن هنا فإن التدوينة لا تنتهي بقراءتها، بل تبدأ في نفس المتلقي عند الإنتهاء من قراءتها، إنها بذرة ينبغي لها أن تنمو، ولكن في حدود، مهما اتسعت، فهي حدود ترسمها التدوينة الناجحة في استثارة موضوعها.
ومع أن هذه القيمة الفنية النقدية هي فرضية كل أنواع الإبداع الفني لدى كل كاتب على وجه العموم، إلا أن التدوين الإلكتروني هو التعبير الأمثل والأوضح لهذه القيمة، إنه يشرك المتلقي في العملية الإبداعية، وهو يحقق، ضمن ما يحقق، التأثير في المتلقي، فيما هو يستفز فكر كل قارئ، ومن ثم امكانية الرد المباشر والفوري. وهو ما يميز التدوين الإلكتروني عن غيره.