اسيره الصمت رساله ماسي
عدد المساهمات : 510 تاريخ التسجيل : 29/05/2010 الموقع : elra.yoo7.com
| موضوع: إضاءات.. من مملكة جيرالدين الإثنين يونيو 07, 2010 5:23 am | |
| تدوينة أدبية رائعة -كالعادة - من مملكة جيرالدين.....
إضاءات..
إنه -إذ يسير في ذلك الشارع بعد خروجه من صالة الألعاب الرياضية- يفكر في جدوى ما يفعل.. لقد بدأ جسده في الاتساق بالفعل.. برزت العضلات وانحسرت البطن.. صارت رئتاه تعاند اللهاث أكثر حين الجري.. وصار يعتاد ظله الذي ازداد عرضًا بصورة ملحوظة.. المشكلة الآن في الجدوى.. أغلب من ركبوا موجة الذهاب لصالات الألعاب الرياضية يذهبون لغرض واحد: أن ينافسن الفتيات في الزي الضيق الذي يظهر “المفاتن” وإن اختلفت ..! كأن الموضوع صار إعمالاً لـ”مفيش حد أحسن من حد” ولو في الإغواء.. كان كلامهم في الصالة عن ذلك الأمر يثير تقززه.. وربما شكه في رجولتهم كذلك.. الرجال الذين يوحَى إليهم أن يجذبوا الفتيات بنفس الطريقة التي يوحَى إليهن بها لجذب الرجال لهم الأدنى بلا شك.. قد سمع قولاً نظيفًا من أحد مرتادي الصالة.. قال أنه يواظب على التمارين العضلية بنية أن يبدو جميل الهيئة دون تعمد إبراز.. وأن يحمي زوجته.. التقط منه نصف النية الأول واشترى قمصانًا جديدة تناسب حجمه الجديد.. وأما النصف الثاني فقد ذكره بأنه لازال أمامه وقت طويل لكي يضعه في الحسبان.. أظلم لهذا الخاطر.. وأظلم الجزء الذي يمشي فيه من الشارع لاحتراق المصابيح التي لم تجد من يهتم بإبدالها.. * * * يقولون أنه حين تغيب حاسة -كالبصر مثلاً- عن العمل.. فإن الحواس الأخرى -كالسمع- تعمل بأقوى من معدلاتها الطبيعية.. * * * لم يكن الظلام دامسًا.. رغم طول المسافة المظلمة من الشارع إلا أنه كان لايزال في الجزء الذي يسنده الجزء الآخر المضيء.. لمح بطرف عينه فتاة تنزل من العمارة التي يسير بجوارها.. ولم يحتل جزءًا من اهتمامه إلا أن لاحظ سمعًا أن الشارع قد خلا إلا من دبيب أربع أرجل فقط.. طق.. تك.. طق.. تك.. طق.. تك.. طق..تـ… * * * مع سماعه للخطوات الأنثوية وراءه تتوقف.. رأى الجمرات الموقدة في الجزء الحالك من الشارع.. جمرات صغيرة جدًا.. تتحرك من آن لآخر.. وتظهر من ورائها سحب دخان ميّز لونه رغم الظلمة.. عندها فهم تقريبًا لم توقفت الخطوات الأنثوية.. * * * أبطأ سيره قليلاً أثناء تأمله لمجموعة الجمرات التي رآها.. وبعدها لاحظ أن الخطوات الأنثوية عادت من جديد.. عادت بشكل أسرع.. أفزع.. خيّل إليه أنها تهم للحاق به ولكنه خجل من أن ينظر للوراء.. أو ربما خاف أن يزيدها فزعًا.. * * * كانت المسافات تقصر.. ما بينه وبينها.. وما بينه وبينهم.. ولكنها كانت الأسرع في اللحاق به.. ووجدها فجأة تمشي بجانبه.. ارتبك قليلاً ولم يعرف إن كانت ارتبكت بالمثل لأن الظلام صار يجعل الأشياء تُميّز بصعوبة.. ما ميزه ببصره أن هناك فتاة تمشي بجانبه الآن وتحرص على ألا تسبقه أو يسبقها.. وما ميزه ببصيرته أن هناك فتاة تستغيث به في صمت الآن.. * * * ولما صارت خطواتهما على مسمع.. وصارت حدود شخصين قادمين على مرأى.. انخفضت الجمرات كلها وسرت همهمات.. قال أحد حاملي الجمرات شيئًا عن اعتقاده بوجود فتيات قادمات (مستعيضًا بكلمة أخرى عن “فتاة” تناسب مراده منها).. وسرت ضحكات خبيثة ما بين الواقفين.. فجأة اشتعلت قدّاحة.. اشتعلت عن وجه ذئب يريد أن يخيف فريسته قبل أن يتفحصها.. انتفضت الفتاة انتفاضة مكتومة فزعًا.. فقد كانت تسير على جانبهم ويسير هو في الجانب الآخر.. كانت تلك اللحظة المناسبة لكي يتوقف.. * * * ويرجع خطوة للوراء.. ثم يسير هو بينها وبينهم.. وينظر لهم نظرة أسد بارد تقول بوضوح: - ” في حاجة يا كابتن ؟ ” ولما كان ضوء القداحة كفيلاً بملاحظة فارق القدرات الجسدية.. فقد انطفأت على الفور.. * * * عبرا الجانب المظلم.. وعاد للشارع نوره.. وهي من الأشياء التي لا يمكن الجزم بها أبدًا.. هل كانت إضاءة الشارع فقط أم إضاءة وجهين أحدهما شاكر بامتنان والآخر يقول أن هذا أبسط شيء.. ؟
http://dalia.ws/blog/archives/177 | |
|