والدة ضحية كوبرى الساحل: عشت ٧ ساعات كالمجنونة وأنا أبحث عن ابنى القتيل.. ووالده: «كنا أربعة وبقينا ثلاثة»
كتب سامى عبدالراضى وأحمد عبداللطيف
١٤/ ٤/ ٢٠١٠
ضع نفسك أو زوجتك أو شقيقتك أو ابنتك فى هذا الموقف.. سيدة تستيقظ فى الثالثة صباحاً.. تكتشف أن طفلها الرضيع مصاب بارتفاع كبير فى درجة الحرارة.. زوجها يستعد لبدء «ورديته» فى فرن بلدى..أجرته ٣٠ جنيهاً سيفقدها إن لم يذهب وسيقف مكتوفاً أمام أطفاله الأربعة وزوجته.. الأم تطلب من طفلها الأكبر ١٠ سنوات أن يتوجه معها إلى مستشفى حميات إمبابة.. دقائق قليلة وتكون الأم ورضيعها وابنها الثانى فى سيارة أجرة تقف بهما أعلى كوبرى الساحل والسائق يقول لها: «بص يا ست هتعدى الكوبرى والناحية التانية نزلة سلم مستشفى الحميات».
الأم تقف فوق كوبرى الساحل.. ابنها الرضيع حرارته تزيد وجسده يرتعش وإلى يسارها ابنها الطفل محمد.. تحتمى به.. هو «ونس» لها فى تلك اللحظات القاسية.. تعبر الجزء الأول من الكوبرى وقبل أن تعبر الجزء الثانى.. فجأة.. لا تجد طفلها الأكبر.. تصرخ بقوة.. تبحث عنه.. تنادى دون مجيب.. المكان مظلم.. تدقق النظر وتجد «فتحة» كبيرة فى قلب الكوبرى.. تنظر منها لا تشاهد شيئاً..
تصرخ ورضيعها يصرخ من الخوف.. تتوسل إلى قائدى السيارات.. لا أحد يتوقف أو يسأل.. الأم تظن أن ابنها سقط من هذه الفتحة إلى داخل الكوبرى وجسده متعلق بحديد فى «بطن الكوبرى» أو سقط مغشياً عليه.. دقائق ويتوقف شاب بـ«دراجة نارية».. ويصوب الضوء إلى الحفرة.. ويقول للأم: «ربنا يعوض عليكى.. ابنك وقع فى النيل».
تصرخ السيدة بأعلى صوتها.. ويتوقف «ولاد الحلال».. نصف ساعة وتأتى سيارة الشرطة: «اتفضلى معانا».. وتذهب معهم إلى قسم إمبابة.. وهناك تصرخ: «أنا حاسة إن ابنى عايش لازم أروح له انتوا جبتونى هنا ليه.. وتهرول إلى باب القسم ويطاردها الضابط وأمناء الشرطة.. هتسكتى ولا نحطك فى الحجز».. ترد:
«أنا حاسة إن ابنى عايش يا بيه.. وكمان أنا ابنى الرضيع سلمته لناس ينقلوه للمستشفى.. أبوس إيدك».. البيه ليس هنا ويصرخ مجدداً: «اسكتى يا ست».. الساعات تمر وأسرة الطفل تحضر إلى منطقة الكوبرى لتبحث عن الضحية.. الساعة تقترب من السابعة صباحاً.. «عصمت» عمة الطفل تهرول إلى قسم الساحل.. فى الناحية الثانية من الكوبرى: «الحقونا يا بيه ابن اخويا فى النيل ووقع من فوق الكوبرى». ويأتيها الرد أكثر قسوة: «اسكتى يا (.........) وبطلى صوات ولا عايزة تتعلمى الأدب».
٥ ساعات كاملة ولا جديد.. رجال الإنقاذ يخافون من «دفاعات» أسفل الكوبرى لا يجب الغطس عندها.. عند الثانية عشرة ظهراً. الأب يدقق فى مياه النيل.. يكتشف جثة ابنه بجوار «صنادل» قريبة من الكوبرى.. الطفل الضحية كان مات وهو يرفع يديه إلى أعلى.. هكذا شاهده والده عندما أخرجه من المياه وكأن الطفل يستنجد بأحد ولا يجد من يقول له: «نعم».
القصة برمتها على مكتب المستشار هشام الدرندلى، المحامى العام الأول لنيابات شمال الجيزة، لحظات ويُخطَر بها النائب العام المستشار عبدالمجيد محمود.. ويصدر أوامره على الفور: «لا تهاون لو محافظ مسؤول عن القصة يتحاسب».. وتتوالى المفاجآت.. إدارة الكوبرى تائهة بين محافظتى الجيزة والقاهرة.. رئيسا حى شمال الجيزة والساحل قالا أمام محمد الشبينى، رئيس النيابة الكلية: احنا مسؤولين عن مطلع الكوبرى.. لكنه تابع لإدارة الطرق والكبارى فى الجيزة والقاهرة».
مدير الطرق والكبارى فى الجيزة.. أمام النيابة: «لا يا بيه أنا عندى إخطار رسمى بإن الكوبرى تابع للقاهرة وكان تابع لى منذ سنوات»..
ويرد مدير مديرية الطرق والكبارى فى القاهرة: «لا أنا عندى إخطار بإن الكوبرى مسؤول من الجيزة».. وتتوه المسألة.. وتطلب النيابة تلك الإخطارات لتحديد الجهة.. وتظهر مفاجأة: «الكوبرى لم تتم صيانته منذ ٧ سنوات والاضاءة به معدومة نهائياً».. وتستدعى النيابة مسؤول الإنارة.. والتحقيقات مستمرة.
والد الضحية يقول: «كنا أربعة وبقينا تلاتة.. وربنا يرجع لى حقى».. وإلى جواره الأم تنظر إلى ابنها الرضيع «عمر» وتصرخ بحرقة: «مين قتل محمد ابنى».. والإجابة مازالت غامضة لكنها ستأتى قريباً.
نقلا من المصرى اليوم